فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان التقدير بما دل عليه العاطف: فكفر تلك النعمة، عطف عليه قوله: {وجعل} بما جعلنا له من نفوذ الكلمة {أهلها} أي الأرض المرادة {شيعًا} أي فرقًا يتبع كل فرقة شيئًا وتنصره، والكل تحت قهره وطوع أمره، قد صاروا معه كالشياع، وهو دق الحطب، فرق بينهم لئلا يتمالؤوا عليه، فلا يصل إلى ما يريده منهم، فافترقت كلمتهم فلم يحم بعضهم لبعض فتخاذلوا فسفل أمرهم، فالآية من الاحتباك، ذكر العلو أولًا دليلًا على السفول ثانيًا، والافتراق ثانيًا دليلًا على الاجتماع أولًا، جعلهم كذلك حال كونه {يستضعف} أي يطلب ويوجد أن يضعف، أو هو استئناف {طائفة منهم} وهم بنو إسرائيل الذين كانت حياة جميع أهل مصر على يدي واحد منهم، وهو يوسف عليه السلام.
وفعل معهم من الخير ما لم يفعله والد مع ولده، ومع ذلك كافؤوه في أولاده وإخوته بأن استعبدوهم، ثم ما كفاهم ذلك حتى ساموهم على يدي هذا العنيد سوء العذاب فيا بأبي الغرباء بينهم قديمًا وحديثًا، ثم بين سبحانه الاستضعاف بقوله: {يذبح} أي تذبيحًا كثيرًا {أبناءهم} أي عند الولادة، وكل بذلك أناسًا ينظرون كلما ولدت امرأة ذكرًا ذبحوه خوفًا على ملكه زعم من مولود منهم {ويستحيي نساءهم} أي يريد حياة الإناث فلا يذبحهن.
ولما كان هذا أمرًا متناهيًا في الشناعة، ليس مأمورًا به من جهة شرع ما، ولا له فائدة أصلًا، لأن القدر- على تقدير صدق من أخبره- لا يرده الحذر، قال تعالى مبينًا لقبحه، شارحًا لما أفهمه ذلك من حاله: {إنه كان} أي كونًا راسخًا {من المفسدين} أي الذين لهم عراقة في هذا الوصف، فلا يدع أن يقع منه هذا الجزئي المندرج تحت ما هو قائم به من الأمر الكلي.
ولما كان التقدير كما أرشد إليه السياق لمن يسأل عن سبب فعله هذا العجيب: يريد بذلك زعم دوام ملكه بأن لا يسلبه إياه واحد منهم أخبره بعض علمائه أنه يغلبه عليه ويستنقذ شعبه من العبودية، عطف عليه قوله يحكي تلك الحال الماضية: {ونريد} أو هي حالية، أي يستضعفهم والحال أنا نريد في المستقبل أن نقويهم.
أي يريد دوام استضعافهم حال إرادتنا ضده من أنا نقطع ذلك بإرادة {أن نمن} أي نعطي بقدرتنا وعلمنا ما يكون جديرًا بأن نمتن به {على الذين استضعفوا} أي حصل استضعافهم وهان هذا الفعل الشنيع ولم يراقب فيهم مولاهم {في الأرض} أي أرض مصر فذلوا وأهينوا، ونريهم في أنفسهم وأعدائهم وفق ما يحبون وفوق ما يأملون {ونجعلهم أئمة} أي مقدمين في الدين والدنيا، علماء يدعون إلى الجنة عكس ما يأتي من عاقبة آل فرعون، وذلك مع تصييرنا لهم أيضًا بحيث يصلح كل واحد منهم لأن يقصد للملك بعد كونهم مستعبدين في غاية البعد عنه {ونجعلهم} بقوتنا وعظمتنا {الوارثين} أي لملك مصر لا ينازعهم فيه أحد من القبط، ولكل بلد أمرناهم بقصدها، وهذا إيذان بإهلاك الجميع.
ولما بشر بتمليكهم في سياق دال على مكنتهم، صرح بها فقال: {ونمكن} أي نوقع التمكين {لهم في الأرض} أي كلها لاسيما أرض مصر والشام، بإهلاك أعدائهم وتأييدهم بكليم الله، ثم بالأنبياء من بعده عليهم الصلاة والسلام بحيث نسلطهم بسببهم على من سواهم بما نؤيدهم به من الملائكة ونظهر لهم من الخوارق.
ولما ذكر التمكين، ذكر أنه مع مغالبة الجبابرة إعلامًا بأنه أضخم تمكين فقال عاطفًا على نحو: ونريد أن نأخذ الذين علوا في الأرض وهم فرعون وهامان وجنودهما: {ونري} أي بما لنا من العظمة {فرعون} أي الذي كان هذا الاستضعاف منه {وهامان} وزيره {وجنودهما} الذين كانا يتوصلان بهم إلى ما يريدانه من الفساد {منهم} أي المستضعفين {ما كانوا} أي بجد عظيم منهم كأنه غريزة {يحذرون} أي يجددون حذره في كل حين على الاستمرار بغاية الجد والنشاط من ذهاب ملكهم بمولود منهم وما يتبع ذلك، قال البغوي: والحذر: التوقي من الضرر.
والآية من الاحتباك: ذكر الاستضعاف أولًا دليلًا على القوة ثانيًا، وإراءة المحذور ثانيًا دليلًا على إرادة المحبوب أولًا، وسر ذلك أنه ذكر المسلي والمرجي ترغيبًا في الصبر وانتظام الفرج. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ويرى} بفتح الياء وإمالة الراء {فرعون وهامان وجنودهما} مرفوعات: حمزة وعلي وخلف وهكذا قرؤوا قوله: {وحزنًا} بضم الحاء وسكون الزاي الباقون بفتحها.

.الوقوف:

{طسم} كوفي. {المبين} o {يؤمنون} o {نساءهم} ط {المفسدين} o {الوارثين} o لا للعطف {يحذرون} o {أرضعيه} ج للفاء مع احتمال الابتداء بإذا الشرطية {ولا تحزني} ج للابتداء بإن مع أن التقدير فإنا. {من المرسلين} o {وحزنا} ط {خاطئين} o {ولك} ط {لا تقتلوه} ق والوجه الوصل لأن الرجاء بعده تعليل للنهي. {لا يشعرون} o {فارغًا} ط {المؤمنين} o {قصيه} ز بناء على أن التقدير فتبعته فبصرت {لا يشعرون} o لا بناء على أن الواو للحال أي وقد حرمنا وقوله: {فقالت} عطف على قوله: {فبصرت} والحال معترض {ناصحون} o {لا يعلمون} o {وعلمًا} o {المحسنين} o {يقتتلان} لا لأن ما بعده صفة الرجلين ظاهرًا ولكن مع إضمار أي يقال لهما هذا من شيعته وهذا من عدوّه، وليس ببعيد أن يكون مستأنفًا من {عدوّه} الأول ج لأن ما يتلوه معطوف على قوله فوجد مع اعتراض عارض من {عدوّه} الثاني لا للعطف عليه مع عدم اتحاد القائل {الشيطان} ط {مبين} o {فغفر له} ط {الرحيم} o {للمجرمين} o {يستصرخه} ط {مبين} ط {لهما} لا لأن ما بعده جواب {لما} {بالأمس} ط للابتداء بالنفي والوصل أوجه لاتحاد القائل {المصلحين} o {يسعى} ز لعدم العاطف مع اتحاد القول {من الناصحين} o {يترقب} لما قلنا في {يسعى} {الظالمين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}.
اعلم أن قوله تعالى: {طسم} كسائر الفواتح وقد تقدم القول فيها و{تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة و{الكتاب المبين} هو إما اللوح وإما الكتاب الذي وعد الله إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم فبين أن آيات هذه السورة هي آيات ذلك الكتاب ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام، أو لأنه بين بفصاحته أنه من كلام الله دون كلام العباد، أو لأنه يبين صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو لأنه يبين خبر الأولين والآخرين، أو لأنه يبين كيفية التخلص عن شبهات أهل الضلال.
أما قوله تعالى: {نتلو عَلَيْكَ} أي على لسان جبريل عليه السلام لأنه كان يتلو على محمد حتى يحفظه، وقوله: {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ} فهو مفعول {نتلو عَلَيْكَ} أي نتلو عليك بعض خبرهما بالحق محقين، كقوله: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] وقوله: {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أنه تعالى قد أراد بذلك من لا يؤمن أيضًا لكنه خص المؤمنين بالذكر لأنهم قبلوا وانتفعوا فهو كقوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، والثاني: يحتمل أنه تعالى علم أن الصلاح في تلاوته هو إيمانهم وتكون إرادته لمن لا يؤمن كالتبع، قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} قرىء فرعون بضم الفاء وكسرها، والكسر أحسن وهو كالقسطاس والقسطاس {عَلاَ} استكبر وتجبر وتعظم وبغى، والمراد به قوة الملك والعلو في الأرض يعني أرض مملكته، ثم فصل الله تعالى بعض ذلك بقوله: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فرقًا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم مخالفته أو يشيع بعضهم بعضًا في استخدامه أو أصنافًا في استخدامه أو فرقًا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ليكونوا له أطوع أو المراد ما فسره بقوله: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} أي يستخدمهم {ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم} فهذا هو المراد بالشيع.
قوله: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} تلك الطائفة بنو إسرائيل، وفي سبب ذبح الأبناء وجوه: أحدها: أن كاهنًا قال له يولد مولود في بني إسرائيل في ليلة كذا يذهب ملكك على يده، فولد تلك الليلة اثنا عشر غلامًا فقتلهم، وعند أكثر المفسرين بقي هذا العذاب في بني إسرائيل سنين كثيرة، قال وهب قتل القبط في طلب موسى عليه السلام تسعين ألفًا من بني إسرائيل.
قال بعضهم في هذا دليل على حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل؟ وهذا السؤال قد يذكر في تزييف علم الأحكام من علم النجوم ونظيره ما يقوله نفاة التكليف إن كان زيد في علم الله وفي قضائه من السعداء فلا حاجة إلى الطاعة، وإن كان من الأشقياء فلا فائدة في الطاعة، وأيضًا فهذا السؤال لو صح لبطل علم التعبير ومنفعته، وأيضًا فجواب المنجم أن النجوم دلت على أنه يولد ولد لو لم يقتل لصار كذا وكذا، وعلى هذا التقدير لا يكون السعي في قتله عبثًا.
واعلم أن هذا الوجه ضعيف لأن إسناد مثل هذا الخبر إلى الكاهن اعتراف بأنه قد يخبر عن الغيب على سبيل التفصيل، ولو جوزناه لبطلت دلالة الأخبار عن الغيب على صدق الرسل وهو بإجماع المسلمين باطل.
وثانيها: وهو قول السدي أن فرعون رأى في منامه أن نارًا أقبلت من بيت المقدس واشتملت على مصر فأحرقت القبط دون بني إسرائيل فسأل عن رؤياه فقالوا يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بقتل الذكور.
وثالثها: أن الأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السلام بشروا بمجيئه وفرعون كان قد سمع ذلك فلهذا كان يذبح أبناء بني إسرائيل، وهذا الوجه هو الأولى بالقبول، قال صاحب الكشاف: {يَسْتَضْعِفُ} حال من الضمير في {وَجَعَلَ} أو صفة لشيعا، أو كلام مستأنف و{يُذَبّحُ} بدل من {يَسْتَضْعِفُ} وقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} يدل على أن ذلك القتل ما حصل منه إلا الفساد، وأنه لا أثر له في دفع قضاء الله تعالى.
أما قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} فهو جملة معطوفة على قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسيرًا لنبأ موسى عليه السلام وفرعون واقتصاصًا له، واللفظ في قوله: {وَنُرِيدُ} للاستقبال ولكن أريد به حكاية حال ماضية ويجوز أن يكون حالًا من {يَسْتَضْعِفُ} أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم، فإن قيل كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله تعالى المن عليهم وإذا أراد الله شيئًا كان ولم يتوقف إلى وقت آخر؟ قلنا لما كان منة الله عليهم بتخليصهم من فرعون قريبة الوقوع جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم.
أما قوله: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي متقدمين في الدنيا والدين وعن مجاهد دعاة إلى الخير وعن قتادة ولاة كقوله: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} [المائدة: 20]، {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} يعني لملك فرعون وأرضه وما في يده.
أما قوله: {وَنُمَكّنَ لَهُمْ في الأرض} فاعلم أنه يقال مكن له إذا جعل له مكانًا يقعد عليه أو يرقد فوطأه ومهده، ونظيره أرض له ومعنى التمكين لهم في الأرض وهي أرض مصر والشام أن ينفذ أمرهم ويطلق أيديهم وقوله: {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} قرىء {وَيَرَى فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} أي يرون منهم ما كانوا خائفين منه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود بني إسرائيل. اهـ.